6 October
لـ سارة خالد | ١٤-٦-٢٠٢٢
كنت أتوقع أني كونت مناعة كبيرة بقراءة بقراءة عشرات القصص للنساء المعنفات والمستضعفات كل يوم، لدرجة أصابتني بالبرود والتبلد حتى استيقظت على خبر موتك يا سارة ثم عرفت أنكِ واحدة من الضحايا. يظل المرء ساذجًا يظن في نفسه الحكمة حتى يعطيه الواقع درسًا يفرق بين النظرية والتطبيق، كنت أردد على نفسي دائمًا أننا جميعًا ضحايا وأنني قريبون من العنف والموت واكتشفت أنني لست مستعدة لمعرفة أن واحدة من صديقاتي ستكون هي القضية القادمة.
لسنا مقربتين، لا أعرفك حق المعرفة ولا تعرفيني. كنتِ زميلتي في دفعة أطباء الأسنان لعام ٢٠٢٠، تبادلنا الصباحات والمجاملات، ضحكنا وأخذتِ أقلامًا ولم ترجعيها وأخذت أدواتًا ولم أرجعها أيضًا. حضورك كان كبيرًا وصوتك مميزًا. من لا يعرف سارة؟ بطاقتها الاجتماعية المشعة التي كنت أغلق عيني عنها لأنني أتحسس من هذا الضوء. كنت أنظر لكِ أحيانًا وأساءل نفسي: من أين لها هذه الطاقة في الصباح؟ كيف تستطيع هذه السارة أن تعرف كل هذه الأسماء وأن تمنحها اسمًا مستعارًا؟ من أين لها أن تحب كل هؤلاء؟
واليوم، بعد ٧ سنوات يا عزيزتي، عرفت أنك تبنين عالمًا غير العالم الذي ولدتي فيه، كنتِ تتشبثين بالحب والصداقات، كنت تبحثين عن بيئة آمنة صادقة هينة، كنت جيدة في هذا يا سارة، لم يشك أحدنا أن خلف هذه المخلوقة المزعجة أحيانًا هناك سارة مجروحة ومخذولة، وتحت هندامك المنمق هناك جسد تعلوه الكدمات.
بكيتك يا سارة، بكيناكي جميعًا. وكعادة الحيّ لا يُساءل نفسه ولا يعاتبها إلا بعد فوات الأوان. أقول لنفسي: لماذا لم تحكِ لي سارة شيئًا عن حياتها ربما ساعدتها؟ لماذا لم أشد خيطًا بين خصالك المختلفة لأستنتج حقيقة مؤلمة كالذي كنتِ تعيشينها. كنتِ تحبين الحياة وكانت ترفسك من كل جانب لم يسمع تألمك أحد.
ذهبت اليوم لعزاءك، كنت أول الحاضرين. جلست على كرسي وأحاطت بي الكراسي الفارغة من كل جانب. وشهدت امتلاءها حتى صلاة العشاء. لم يتوقف لساني عن ترديد الدعاء لك، ولم تتوقف عيوني عن ذرف الدموع. كيف أمنع نفسي من تخيل ساعاتك الأخيرة؟ كيف أمنع نفسي من التفكير في مصير من تسببوا في كل هذا أنهم سينجون منها! نعم ينجون في النهاية لا شيء يحدث. وأحمد الله أنكِ لستِ معنا على الأرض حتى لا تشهدي ذلك بنفسك، سنعيشه نحن بدلًا منك وسيتراكم الكمد والغضب في قلوبنا وحلوقنا. هذه الذاكرة، ذاكرة الغضب ستنفجر في يومٍ ما وسيُؤخذ الثأر لكنّ جميعًا. لكن الآن في هذا الوقت الذي أكتب لكِ فيه، لا نخاف سوى على أنفسنا من مصيرك ولا نحسن شيئًا سوى في التفحص وقراءة ما بين وجوه النساء وما خلفها طمعًا في تفادي ما يحدث كل مرة.
لستن أرقامًا، لستِ رقمًا يا سارة.
لا أجد لكِ دعوة مناسبةً أكثر من: اللهم أبدلها دارًا خيرًا من دارها وأهلًا خيرًا من أهلها.
آمين.